في تثقيف اميرالـمؤمنين عمر بن الخطاب رضی الله عنه رعيته علي منوال تربية النبي صلی الله علیه و آله و سلم أمته قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ﴾ وهذا التثقيف يكون تارةً أمراً بالواجب او المندوب ونهياً عن الحرام او الـمكروه وتارةً ارشاداً إلى تهذيب الباطن من الرذائل وتحليته بالفضائل وتارةً بتأثير مجرد الصحبة ويكون تارةً خطاباً للحاضرين وتارةً كتابا للغايبين وقد اعتني النبي صلی الله علیه و آله و سلم بتهذيب عمر بن الخطاب كثيراً
فمن ذلك:
«قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم حين راجع العباس بن عبدالـمطلب في اخذ الصدقات مراجعةً شديدةً اما شعرت يا ابن الخطاب ان عم الرجل صنو ابيه؟»[1].
ومن ذلك ما روي الدارمي «عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم بِنُسْخَةٍ مِنَ التَّوْرَاةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ نُسْخَةٌ مِنَ التَّوْرَاةِ فَسَكَتَ فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يَتَغَيَّرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ، أَمَا تَرَى مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَمِنْ غَضَبِ رَسُولِهِ، رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم : وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ بَدَا لَكُمْ مُوسَى فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِى لَضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَأَدْرَكَ نُبُوَّتِى لاَتَّبَعَنِى»[2].
البخاري «عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِىِّ صلی الله علیه و آله و سلم إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رضی الله عنه آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: أَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا فَقَدْ غَامَرَ ». فَسَلَّمَ وَقَالَ إِنَّهُ كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ شَىْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِى فَأَبَى عَلَىَّ وَتَحَرَّزَ مِنِّى بِدَارِهِ فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلاَثًا ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رضی الله عنه نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِى بَكْرٍ رضی الله عنه فَسَأَلَ أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا لاَ فَأَقْبَلَ إِلَى النَّبِىِّ صلی الله علیه و آله و سلم فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِىِّ صلی الله علیه و آله و سلم يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَاللَّهِ كُنْتُ أَظْلَمَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعَثَنِى إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقْتَ وَوَاسَانِى بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِى صَاحِبِى. قَالَهَا مَرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِىَ بَعْدَهَا»[3].
البخاري «عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا - أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضی الله عنهما رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِىِّ صلی الله علیه و آله و سلم حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِى تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِى بَنِى مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ - قَالَ نَافِعٌ لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خِلاَفِى. قَالَ مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ. فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِى ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ﴾ [الحجرات: 2]. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ، يَعْنِى أَبَا بَكْرٍ»[4].
السهروردي باسناده «عن أبي هريرة أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أتى بطعام وهو بمر الظهران فقال لأبي بكر وعمر: كلا فقالا أنا صائمان فقال ارحلوا لصاحبَيكم اعملوا لصاحبيكم ادنوا فكلا يعني انكما ضعفتما بالصوم عن الخدمة فاحتجتما إلى من يخدمكما فكلا واخدما انفسكما[5]. ومن ذلك تمييز النبي صلی الله علیه و آله و سلم له بين الغلبتين وتعريفه إياه الفرق بينهما حتى حذق في التمييز وصار محدَّثاً كاملاً وقد تقدم بعض ذلك وتثقيفه رضی الله عنه رعيته متواتر الـمعني».
مسلم «عَن أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَعَرَّضَ بِهِ عُمَرُ فَقَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ. فَقَالَ عُثْمَانُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِدْتُ حِينَ سَمِعْتُ النِّدَاءَ أَنْ تَوَضَّأْتُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ. فَقَالَ عُمَرُ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يَقُولُ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ»[6].
أبوبكر «عن عمرو بن ميمون الاودي أن عمر بن الخطاب لـما حضر قال: ادعوا لي عليا وطلحة والزبير وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعدا، قال: فلم يكلم أحدا منهم إلا عليا وعثمان، فقال: يا علي ! لعل هؤلاء القوم يعرفون قرابتك وما آتاك الله من العلم والفقه، واتق الله، وإن وليت هذا الأمر فلا ترفعن بني فلان على رقاب الناس، وقال لعثمان: يا عثمان ! إن هؤلاء القوم لعلهم يعرفون لك صهرك من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وصنك وشرفك، فإن أنت وليت هذا الامر فاتق الله، ولا ترفع بني فلان على رقاب الناس، فقال: ادعوا لي صهيبا، فقال: صل بالناس ثلاثا، وليجتمع هؤلاء الرهط فليخلوا، فإن اجمعوا على رجل فاضربوا رأس من خالفهم»[7].
احمد بن حنبل «عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ حَدَّثَنِى رَبِيعَةُ بْنُ دَرَّاجٍ أَنَّ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ سَبَّحَ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ فِى طَرِيقِ مَكَّةَ فَرَآهُ عُمَرُ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم نَهَى عَنْهُمَا»[8].
أبوبكر «عن اسلم باسنادٍ صحيح علی شرط الشيخين أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ! والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلما خرج عمر جاءوها فقالت: تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لـما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فروا رأيكم ولا ترجعوا إلي، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لابي بكر»[9].
مالك «عن أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ عُمَرُ مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ فَقَالَ طَلْحَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا هُوَ مَدَرٌ. فَقَالَ عُمَرُ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِى بِكُمُ النَّاسُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً جَاهِلاً رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِى الإِحْرَامِ فَلاَ تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ»[10].
احمد بن حنبل «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَا لِى أَرَاكَ قَدْ شَعِثْتَ وَاغْبَرَرْتَ مُنْذُ تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم لَعَلَّكَ سَاءَكَ يَا طَلْحَةُ إِمَارَةُ ابْنِ عَمِّكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنِّى لأَجْدَرُكُمْ أَنْ لاَ أَفْعَلَ ذَلِكَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يَقُولُ: إِنِّى لأَعْلَمُ كَلِمَةً لاَ يَقُولُهَا رَجُلٌ عِنْدَ حَضْرَةِ الْمَوْتِ إِلاَّ وَجَدَ رُوحَهُ لَهَا رَوْحاً حِينَ تَخْرُجُ مِنْ جَسَدِهِ وَكَانَتْ لَهُ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَلَمْ أَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم عَنْهَا وَلَمْ يُخْبِرْنِى بِهَا فَذَلِكَ الَّذِى دَخَلَنِى قَالَ عُمَرُ فَأَنَا أَعْلَمُهَا. قَالَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَمَا هِىَ قَالَ هِىَ الْكَلِمَةُ الَّتِى قَالَهَا لِعَمِّهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ قَالَ طَلْحَةُ صَدَقْتَ»[11].
مالك «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ في قصة سرغ فَنَادَى عُمَرُ بن الخطاب إِنِّى مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا مُخْصِبَةٌ وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصِبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ»[12].
مالك «كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِى كِتَابِهِ:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٢٠٠﴾ [آلعمران: 200]»[13].
الـمحب الطبري «عن عروة بن رويم اللخمي قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح كتاباً يقرأه على الناس بالجابية أما بعد: فانه لا يقيم أمر الله في الناس الا حصيفُ العقدة بعيد الغرّة ولا يطلع الناس منه على عورةٍ ولا يَحنق في الحق على جرةٍ ولا يخاف في الله لومة لائم والسلام، وفي رواية لا يحابي في الحق على قرابةٍ مكان ولا يحنق في الحق علي جرة»[14].
شرح: حصيف العقدة اي مستحكمها واستحصف الشیئ استحكم والحصيف الرجل الـمستحكم العقل وكنّي بذلك عمر عن الاشتداد في دين الله وقوة الايمان، والغرة الاعتماد.
الـمحب الطبري «كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح أما بعد: فاني كتبت اليك كتاباً لم آلك ونفسي فيه خيراً الزم خمس خصالٍ يسلم لك دينُك وتحظ بافضل حظك إذا حضرك الخصمان فعليك بالبينات العدول والاَيمان القاطعة ثم ادن الضعيف حتى يبسط لسانه ويجترئ قلبه وتعاهد الغريب فانه إذا طال حبه ترك حاجته وانصرف إلى اهله وانما الذي ابطل حقه من لم يرفع به رأساً، واحرص على الصلح ما لم يتبين لك القضاء والسلام عليك»[15].
أبوبكر «عن عبيدالله بن عبيد بن عمير قال: باع عبد الرحمن بن عوف جارية له كان يقع عليها قبل أن يستبرئها فظهر بها الحمل عند الذي اشتراها فخاصمه إلى عمر فقال عمر: كنت تقع عليها؟ قال: نعم ! قال: فبعتها قبل أن تستبرئها؟ قال: نعم ! قال: ما كنت لذلك بخليق ! فدعا القافة فنظروا إليه فألحقوه به»[16].
احمد بن حنبل «عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَعْداً لَمَّا بَنى الْقَصْرَ قَالَ انْقَطَعَ الصُّوَيْتُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَلَمَّا قَدِمَ أَخْرَجَ زَنْدَهُ وَأَوْرَى نَارَهُ وَابْتَاعَ حَطَباً بِدِرْهَمٍ وَقِيلَ لِسَعْدٍ إِنَّ رَجُلاً فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ ذَاكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا قَالَهُ فَقَالَ نُؤَدِّى عَنْكَ الَّذِى تَقُولُهُ وَنَفْعَلُ مَا أُمِرْنَا بِهِ. فَأَحْرَقَ الْبَابَ ثُمَّ أَقْبَلَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَوِّدَهُ فَأَبَى فَخَرَجَ فَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَهَجَّرَ إِلَيْهِ فَسَارَ ذَهَابَهُ وَرُجُوعَهُ تِسْعَ عَشْرَةَ فَقَالَ لَوْلاَ حُسْنُ الظَّنِّ بِكَ لَرَأَيْنَا أَنَّكَ لَمْ تُؤَدِ عَنَّا. قَالَ بَلَى أَرسَلَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ وَيَعْتَذِرُ وَيَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا قَالَهُ. قَالَ فَهَلْ زَوَّدَكَ شَيْئاً قَالَ لاَ. قَالَ فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تُزَوِّدَنِى أَنْتَ قَالَ إِنِّى كَرِهْتُ أَنْ آمُرَ لَكَ فَيَكُونَ لَكَ البَارِدُ وَيَكُونَ لِى الْحَارُّ وَحَوْلِى أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَدْ قَتَلَهُمُ الْجُوعُ وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يَقُولُ: لاَ يَشْبَعُ الرَّجُلُ دُونَ جَارِهِ»[17].
الـمحب الطبري «عن سفيان بن عينية أن سعد بن أبي وقاص كتب إلى عمر وهو على الكوفة يستأذنه في بناء منزل يسكنه فكتب إليه ابنِ ما يسترك من الشمس ويُكنك من الغيث»[18].
الدارمي «عَنْ سُلَيْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: أَتَيْنَا أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ لِنَتَحَدِّثَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ قُمْنَا وَنَحْنُ نَمْشِى خَلْفَهُ، فَرَهَقَنَا عُمَرُ فَتَبِعَهُ فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ - قَالَ - فَاتَّقَاهُ بِذِرَاعِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: أَوَمَا تَرَى فِتْنَةً لِلْمَتْبُوعِ مَذَلَّةً لِلتَّابِعِ»[19].
الدارمي «عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ لاِبْنِ مَسْعُودٍ: أَلَمْ أُنْبَأْ أَوْ أُنْبِئْتُ أَنَّكَ تُفْتِى وَلَسْتَ بِأَمِيرٍ؟ وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا»[20].
الدارمي «عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ قَالَ: تَطَاوَلَ النَّاسُ فِى الْبِنَاءِ فِى زَمَنِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا مَعْشَرَ الْعُرَيْبِ الأَرْضَ الأَرْضَ، إِنَّهُ لاَ إِسْلاَمَ إِلاَّ بِجَمَاعَةٍ، وَلاَ جَمَاعَةَ إِلاَّ بِإِمَارَةٍ، وَلاَ إِمَارَةَ إِلاَّ بِطَاعَةٍ، فَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى الْفَقْهِ كَانَ حَيَاةً لَهُ وَلَهُمْ، وَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى غَيْرِ فِقْهٍ كَانَ هَلاَكاً لَهُ وَلَهُمْ»[21].
الحاكم «عن عبدالله بن مسعود قال: لـما قبض النبي صلی الله علیه و آله و سلم واستخلفوا أبا بكر رضی الله عنه وكان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعث معاذا إلى اليمن فاستعمل أبو بكر رضی الله عنهما عمر على الـموسم، فلقي معاذا بمكة ومعه رقيق، فقال: ما هؤلاء؟ فقال: هؤلاء أهدوا لي، وهؤلاء لأبي بكر، فقال له عمر: إني أرى لك أن تأتي بهم أبا بكر، قال: فلقيه من الغد، فقال: يا ابن الخطاب، لقد رأيتني البارحة وأنا أنزو إلى النار وأنت آخذ بحجزتي، وما أراني إلا مطيعك قال: فأتى بهم أبا بكر، فقال: هؤلاء أهدوا لي وهؤلاء لك، قال: فإنا قد سلمنا لك هديتك، فخرج معاذ إلى الصلاة، فإذا هم يصلون خلفه، فقال معاذ: لـمن تصلون؟ قالوا: لله عزوجل فقال: فأنتم له فأعتقهم»[22].
أبوحنيفة «عن حذيفة بن اليمان أنه تزوّج يهوديةً بالـمدائن فكتب إليه عمر بن الخطاب رضی الله عنه : أن خلّ سبيلها فكتب إليه أحرامٌ هي يا أميرالـمؤمنين؟ فكتب إليه اعزم عليك ان لا تضع كتابي حتى تخلّي سبيلها فاني أخاف أن يقتدي بك الـمسلمون فيختاروا نساء أهل الذمة لجمالهن وكفى بذلك فتنةً لنساء الـمسلمين»[23].
أبوبكر «عن سعيد بن أبى بردة قال: كتب عمر إلى أبى موسى: أما بعد فإن أسعد الرعاة من سعدت رعيته، وإن أشقى الرعاة من شقيت رعيته، وإياك أن ترتع فترتع عمالك فيكون مثلك عند ذلك مثل بهيمة نظرت إلى خضرة من الأرض فرتعت فيها تبتغى بذلك السمن، وإنما حتفها فى سمنها والسلام عليك»[24].
أبوبكر «عن سفيان قال: كتب عمر إلى أبي موسى انك لن تنال الآخرة بشئ أفضل من الزهد في الدنيا»[25].
الدارقطني «أن عمر بن الخطاب كتب إِلَى أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِىَ إِلَيْكَ بِحُجَّةٍ وَانْفُذِ الْحَقَّ إِذَا وَضُحَ فَإِنَّهُ لاَ يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لاَ نَفَادَ لَهُ وَآسِ بَيْنَ النَّاسِ فِى وَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَعَدْلِكَ حَتَّى لاَ يَأْيَسَ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِكَ وَلاَ يَطْمَعَ الشَّرِيفُ فِى حَيْفِكَ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً لاَ يَمْنَعَنَّكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ رَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَكَ وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ أَنْ تُرَاجِعَ الْحَقَّ فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِى فِى الْبَاطِلِ الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا تَخَلَّجَ فِى صَدْرِكَ مِمَّا لَمْ يَبْلُغْكَ فِى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اعْرِفِ الأَمْثَالَ وَالأَشْبَاهَ ثُمَّ قِسِ الأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ فَاعْمَدْ إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَرَى وَاجْعَلْ لِلْمُدَّعِى أَمَدًا يَنْتَهِى إِلَيْهِ فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً أَخَذَ بِحَقِّهِ وَإِلاَّ وَجَّهْتَ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْلَى لِلْعَمَى وَأَبْلَغُ فِى الْعُذْرِ الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ مَجْلُودٍ فِى حَدٍّ أَوْ مُجَرَّبٍ فِى شَهَادَةِ زُورٍ أَوْ ظَنِينٍ فِى وَلاَءٍ أَوْ قَرَابَةٍ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنْكُمُ السَّرَائِرَ وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ وَإِيَّاكَ وَالْقَلَقَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّىَ بِالنَّاسِ وَالتَّنَكُّرَ لِلْخُصُومِ فِى مَوَاطِنِ الْحَقِّ الَّتِى يُوجِبُ اللَّهُ بِهَا الأَجْرَ وَيُحْسِنُ بِهَا الذُّخْرَ فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِحْ نِيَّتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ يَكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ يُشِنْهُ اللَّهُ فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابِ غَيْرِ اللَّهِ عزوجل فِى عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ»[26].
وروي «أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أما بعد فإن للناس نفرةً عن سلطانهم فاعوذ بالله أن تدركني وإياك عمياء مجهولةٌ وضغائن محمولةٌ واهواء متبعة ودنيا مؤثرة اقم الحدود واجلس للمظالم ولو ساعة من نهار وإذا عرض لك أمران احدهما لله والآخر للدنيا فابدأ بعمل الآخرة فإن الدنيا تفني والآخرة تبقي وكن من مال الله عزوجل على حذرٍ واخف الفساق واجعلهم يداً يداً ورِجلاً رجلاً وإذا كانت بين القبائل ثائرة يا لفلان يا لفلان فانما تلك نجوي الشيطان فاضربهم بالسيف حتى يفيئوا إلى أمر الله ويكون دعوتهم إلى الله وإلى الاسلام وقد بلغني ان ضَبّةً تدعوا يا لضبة واني والله اعلم ان ضبةً ما ساق الله بها خيراً قطّ فإذا جاءك كتابي هذا فانهیكهم ضرباً وعقوبةً حتى تفرقوا ان لم يفقهوا والصق بغيلان ابن خرشة من بينهم وعد مرضى الـمسلمين واشهد جنائزهم وافتح لهم بابك وباشر أمورهم بنفسك فإنما أنت رجلٌ منهم غير ان الله قد جعلك اثقلهم حملاً وقد بلغني انه فشا لك ولاهل بيتك هيئةٌ في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلها، واياك يا عبدالله بن قيس أن تكون بمنزلة البهيمة التي مرَّت بوادٍ خصب فلم يكن لها همةٌ الا السمن وانما حظها من السمن بغيرها واعلم ان للعامل مردّا إلى الله فإذا زاغ العامل زاغت رعيته وان اشقى الناس من شقيت به نفسه ورعيته والسلام»[27].
أبوبكر «عن الضحاك قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعرى: أما بعد فإن القوة فى العمل أن لا تؤخروا عمل اليوم لغد، فإنكم إذا فعلتم ذلك تداركت عليكم الأعمال، فلا تدرون أيها تأخذون فأضعتم، فإن خيرتم بين أمرين أحدهما للدنيا والآخر للآخرة فاختاروا أمر الآخرة على أمر الدنيا، فإن الدنيا تفنى والآخرة تبقى، كونوا من الله على وجل، وتعلموا كتاب الله فإنه ينابيع العلم وربيع القلوب»[28].
«استكتب أبوموسى الاشعرى نصرانيا فكتب إليه عمر اعزله واستعمل حنيفاً فكتب إليه أبوموسى ان من غنائه وخيره كيت وكيت فكتب إليه عمر ليس لنا أن نأتمنهم وقد خوّنهم الله ولا ان نرفعهم وقد وضعهم الله ولا ان نستصحبهم في الدين وقد وترهم الاسلام ولا ان نُعزهم وقد أمرنا بأن يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون فكتب ابوموسي ان البلد لا تصلح الا به فكتب إليه عمر مات النصراني والسلام»[29].
«وكتب إلى معاوية اياك والاحتجاب دون الناس وادن للضعيف وادنه حتى يبسط لسانه ويجرئ قلبه وتعهد الغريب فانه إذا طال حبسه وضاق اُذنه وشعف قلبه وترك حقه»[30].
«وكتب إلى سعد بن أبي وقاص يا سعد سعد بني اهيب ان الله إذا احبّ عبداً حبّبه إلى خلقه فاعتبر منزلتك من الله منزلتك من الناس واعلم انَّ مالك عند الله مثل مالله عندك»[31].
«وسأل رجلاً من شئ فقال الله علم فقال قد شقينا ان كنا لا نعلم ان الله اعلم إذا سئل أحدكم عما لايعلم فليقل لا أدري»[32].
«ودخل عمر على ابنه عبدالله فوجد عنده لحماً عبيطاً معلقاً فقال: ما هذا اللحم؟ قال: اشتهيت فاشتريت فقال: اوَ كلما اشتهيت شيئا اكلته كفى بالـمرء شرها أن يأكل كلَّ ما اشتهاه»[33].
«مرَّ عمر رضی الله عنه على فربلةٍ فتأذي بريحها أصحابه فقال هذه دنياكم التي تحرصون عليها»[34].
ومن كلامه للاحنف «يا احنف من كثر ضحكه قلّت هيبته ومن مزح استُخِفّ به ومن اكثر من شئ عرف به ومن كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قلَّ حياءه ومن قلَّ حياءه قلَّ ورعه ومن قلَّ ورعه مات قلبه»[35].
وقال لابنه عبدالله: «يا بُني اتق الله يقك واقرض الله يجزك واشكره يزدك واعلم انه لا مال لـمن لا رفق له ولا جديد لـمن لا خلق له ولا عمل لـمن لا نية له»[36].
«وكتب عمر رضی الله عنه إلى عمرو بن العاص وهو عامله على مصر أما بعد فقد بلغني انه قد ظهر لك مالٌ من ابل وغنمٍ وخدم وغلمانٍ ولم يكن لك قبله مالٌ ولا ذلك من رزقك فاني لك هذا ولقد كان لي من السابقين الأولين من هو خيرٌ منك ولكني استعملتك لغنائك فإذا كان عملك لك وعلينا بم نؤثرك على أنفسنا فاكتب إليَّ مِن أين مالك وعجل والسلام فكتب إليه عمرو بن العاص قرأت كتاب أميرالـمؤمنين ولقد صدق فاما ما ذكره من مالي فاني قدمت بلدةً الاسعار فيها رخيصةٌ الغزو فيها كثيرةٌ فجعلت فضول ما حصل لي من ذلك فيما ذكره أميرالـمؤمنين والله يا أميرالـمؤمنين لو كانت خيانتك لنا حلالاً ماخنّاك حيث ائتمنتنا فاقصر عنا عناءك فإن لنا احساباً إذا رجعنا اليها اغنتنا عن العمل لك واما من كان عندك لك من السابقين الأولين فهلا استعملتهم فوالله ما وقفت لك باباً. فكتب عمر أما بعد فاني لست من تسطيرك وتشقيقك الكلام في شئٍ انكم معشر الأمراء اكلتم الأموال واخلدتم إليّ الاعذار وانما تاكلون النار وتورّثون العار وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة ليشاطرك على ما في يديك والسلام فلما قدم عليه محمدٌ اتخذ له طعاماً وقدمه إليه فابي أن يأكل فقال: مالك لا تأكل طعامنا؟ قال: انك عملت لي طعاماً هو تقدمةٌ للشر ولو كنت عملت لي طعام الضيف لاكلته فابعد عني طعامك واحضرني مالك فلما كان الغد احضره ماله فجعل محمدٌ يأخذ شطراً ويعطي عمرواً شطراً فلما رأى عمروٌ ما حاز محمدٌ من الـمال قال: يا محمد بن مسلمة اقول، قال: قل ما تشاء قال: لعن الله يوماً كنتُ فيه والياً لابن الخطاب والله لقد رأيته ورأيت اباه وان على كل واحد منهما عباءةٌ قطرانيةٌ مؤزراً بها ما تبلغ مأبض ركبتيه وعلي عنقٍ كل واحدٍ منهما حزمة من حطب وان العاص بن وائل لفي مزرَّراتِ الديباج فقال محمدٌ: اِيهاً يا عمرو فعمر والله خيرٌ منك وأما ابوك وابوه ففي النار والله لو لا ما دخلتَ فيه من الاسلام لا لقيتَ معتقلاً شاة يسرك غزرها ويسؤك بكؤها قال: صدقتَ فاكتم عليّ، قال: افعل»[37].
احمد بن حنبل «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ذُكِرَ لِعُمَرَ أَنَّ سَمُرَةَ وَقَالَ مَرَّةً بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَمُرَةَ بَاعَ خَمْراً قَالَ قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا»[38].
احمد بن حنبل «عن عِيَاضاً الأَشْعَرِىَّ قَالَ شَهِدْتُ الْيَرْمُوكَ وَعَلَيْنَا خَمْسَةُ أُمَرَاءَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ وَابْنُ حَسَنَةَ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعِيَاضٌ - وَلَيْسَ عِيَاضٌ هَذَا بِالَّذِى حَدَّثَ سِمَاكاً - قَالَ وَقَالَ عُمَرُ إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلَيْكُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ. قَالَ فَكَتَبْنَا إِلَيْهِ إِنَّهُ قَدْ جَاشَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ وَاسْتَمْدَدْنَاهُ فَكَتَبَ إِلَيْنَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِى كِتَابُكُمْ تَسْتَمِدُّونِى وَإِنِّى أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْراً وَأَحْضَرُ جُنْداً اللَّهُ عزوجل فَاسْتَنْصِرُوهُ فَإِنَّ مُحَمَّداً صلی الله علیه و آله و سلم قَدْ نُصِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فِى أَقَلِّ مِنْ عِدَّتِكُمْ فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِى هَذَا فَقَاتِلُوهُمْ وَلاَ تُرَاجِعُونِى. قَالَ فَقَاتَلْنَاهُمْ فَهَزَمْنَاهُمْ وَقَتَلْنَاهُمْ أَرْبَعَ فَرَاسِخَ»[39].
الغزالي «بلغ عمر أن يزيد بن ابي سفيان يأكل الوان الطعام فقال عمر لـمولاه: إذا علمت انه حضر عشاءه فاعلمني فاعلمه فدخل فقرب عشاءه فجاءه ثريدٌ بلحم فاكل معه عمر ثم قُرِب الشواء وبسط يزيد یده وکفّ عمر یده وقال: الله الله یا یزید بن أبي سفيان اطعامٌ بعد طعامٍ أما والذي نفس عمر بيده ان خالفتم عن سنتهم ليخالفن الله بكم عن طريقهم»[40].
أبوعمر، «قال عمر -إذا دخل الشام ورأي معاوية-: هذا كسري العرب وكان قد تلقاه معاوية في موكب عظيم فلما دني منه قال له: أنت صاحب الـموكب العظيم؟ قال: نعم يا أميرالـمؤمنين قال: مع ما بلغني عنك من وقوف ذوي الحاجات ببابك! قال: مع ما يبلغك مني ذلك قال: ولم تفعل هذا؟ قال: نحن بأرضٍ جواسيس العدو بها كثير فنحب أن يظهر من عز السلطان ما نرهبهم به فإن أمرتني فعلت وان نهيتني انتهيت فقال عمر: يا معاوية ما نسألك عن شئ الا تركتني في مثل رواجب الضرس ان كان حقاً ما قلت انه لرأي اريب وان كان باطلاً انها لخدعة اديب فقال: فمرني يا أميرالـمؤمنين قال: لا آمرك ولا انهاك فقال عمروٌ: يا أميرالـمؤمنين ما احسن ما اصدر الفتي عما اوردته فيه قال: لحسن مصادره وموارده جشمناه ما جشمناه»[41].
الـمحب الطبري «عن ابي عوانة قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عبدالله بن عمر أما بعد فانه من اتقي الله وقاه ومن توكل عليه كفاه ومن اقرضه جزاه ومن شكره زاده وليكن التقوي عماد عملك وجلاء قلبك فانه لا عمل لـمن لا نية له و لا مال لـمن لا رفق له ولا جديد لـمن لا خلق له»[42].
وروي انه قال في خطبته «يا معشر الـمهاجرين لا تكثروا الدخول على أهل الدنيا وارباب الامرة والولاية فانه مسخطة للرب واياكم والبطنة فانها مكسلةٌ عن الصلاة مفسدة للجسد مورثة للقسم ان الله يبغض الحبر السمين ولكن عليكم بالقصد في قوتكم فانه ادني من الاصلاح وابعد من السرف واقوي على عبادة الله ولن يهلك عبدٌ حتى يؤثر شهوته علي دينه»[43].
«وقال: تعلموا ان الطمع فقرٌ وان الياس غنيً ومن يئس من شیئ استغني عنه والتؤدة في كل شیئ خيرٌ إلا ما كان من أمر الآخرة»[44].
«وقال: من اتقى الله لم يشف غيظه ومن خاف الله لم يفعل ما يريد ولو لا يوم القيامة لكان غير ما ترون»[45].
وروي أن عمر خطب فقال: «أما بعد فاني أوصيكم بتقوى الله الذي يبقي ويفني ما سواه والذي بطاعته ينفع أولياءه وبمعصية يضرّ اعداءه انه ليس لهالك هلك عذرٌ في تعمد ضلالةٍ حسبها هديً ولا ترك حقٍ حسبه ضلالةً قد ثبتت الحجة ووضحت الطريقة وانقطع العذر ولا حجة على الله عزوجل الا ان أحق ما تعاهد به الراعي رعيته أن يتعاهدهم بالذي لله تعالى عليهم في وظائف دينهم الذي هداهم به وانما علينا ان نأمركم بالذي أمركم الله به من طاعته وننهاكم عما نهكم الله عنه من معصيته وان نقيم أمر الله في قريب الناس وبعيدهم ولا نبالي علي مَن مال الحق ليتعلم الجاهل ويتعظ الـمفرّط ويقتدي الـمقتدي وقد علمت ان اقوي ما يتمنون في أنفسهم ويقولون نحن نصلي مع المصلين ونجاهد مع الـمجاهدين، الا ان الايمان ليس بالتمني ولكنه بالحقائق من قام على الفرائض وسدد نيته واتقى الله فذلكم الناجي ومن زاد اجتهاداً وجد عند الله مزيداً وانما الـمجاهدون الذين جاهدوا اهواءهم والجهاد اجتناب الـمحارم الا ان الأمر جدّ وقد يقاتل أقوامٌ لا يريدون الا الأجر وان الله يرضي منكم باليسير واثابكم على اليسير الكثير، الوظائف الوظائف ادّوها تؤدكم إلى الجنة، السنة السنة الزموها تُنجكم من البدعة تعلموا ولا تعجزوا فإنه من عجز تكلف وان شرار الأمور محدثاتها وان الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في الضلالة فافهموا ما توعظون به فان الجريب من جرب دينه وان السعيد من وعظ بغيره وعليكم بالسمع والطاعة فان الله قضى لهما بالذلة أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم»[46].
الـمحب الطبري «عن سالم بن عبدالله بن عمر قال كان عمر إذا نهي الناس عن أمرٍ دعا اهله فقال: اني نهيت الناس عن كذا وكذا وإنما ينظر الناس إليكم نظر الطير اللحم فإن وقعتم وقع الناس وان هبتم هاب الناس وانه والله لا يقع أحدٌ منكم في شیئ نهيت الناس عنه الا اضعفت له العقوبة لـمكانه مني»[47].
الـمحب الطبري «عن الـمسور بن مخرمة قال: كنا نلزم عمر نتعلم منه الورع[48]. الغزالي سأل عمر ان أخٍ كان آخاه فخرج إلى الشام فسأل عنه بعض من قدم عليه فقال: ما فعل أخي؟ فقال: ذلك أخ الشيطان قال: مه، قال: انه قارف الكبائر حتى وقع في الخمر، فقال: إذا أردت الخروج فآذنّي فكتب إليه عند خروجه بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ ٢ غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ...﴾ [غافر: 1-3]. ثم عاتبه تحت ذلك وعذله فلما قرأ الكتاب بكي وقال: صدق الله ونصح عمر فتاب ورجع»[49].
[1]-
[2]-
[3]- صحیح بخاری، حدیث شماره:
[4]- صحیح بخاری، حدیث شماره:
[5]-
[6]-
[7]-
[8]-
[9]-
[10]-
[11]-
[12]-
[13]-
[14]-
[15]-
[16]-
[17]-
[18]-
[19]-
[20]-
[21]-
[22]-
[23]-
[24]-
[25]-
[26]-
[27]-
[28]-
[29]-
[30]-
[31]-
[32]-
[33]-
[34]-
[35]-
[36]-
[37]-
[38]-
[39]-
[40]-
[41]-
[42]-
[43]-
[44]-
[45]-
[46]-
[47]-
[48]-
[49]-
هیچ نظری موجود نیست:
ارسال یک نظر